وصايا نبوية

وصايا نبوية لا غنى لمسلم عنها

الخطبة الأولى

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مُضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد:

     فإن أصدقَ الحديث كلام الله تعالى ، وأحسن الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النار ، وبعد :

   فيا أيها المسلمون: روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله    -صلى الله عليه وسلم- يقول: “بُعِثتُ بِجوامِعِ الكَلِم”، ومعنى جوامع الكَلِم : هي الألفاظ القليلة التي تجمع المعانيَ الكثيرة والأمورَ العديدة.

   عباد الله: ومن جوامع كَلِمِه -صلى الله عليه وسلم- الذي قد حوى قواعدَ عامة في ديننا ، ووصايا نافعة في شريعتنا ، ما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وأبو داود من حديث العرباض ابن سارية رضي الله عنه ” وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً بعد صلاةِ الغداةِ موعظةً بليغةً ، ذرفت منها العيون – أي: بكت- ووجلت منها القلوب -أي: خافت- فقال رجل : إن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: “أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإِنْ عَبْدٌ حَبَشي ؛ فإنه من يَعِشْ منكم يرى اختلافاً كثيراً ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ، فمن أدرك منكم ذلك فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ”.

   أيها المسلمون:  هذا النصٌّ العظيم والحديثُ الجامع حوى أصولاً كلية ، ووصايا نافعة مِنْ أَحْرَصِ الناس علينا وأرْحَمِهم بِنا وهو نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بتحقيقها تتحقق السعادة في الدنيا والآخرة ، وبإهمالها والإعراض عنها تنتجُ الشقاوة في الدنيا والآخرة ، وهذه الوصايا هي الوصيةُ بتقوى الله تعالى، والوصيةُ بالسمع والطاعة لولاة الأمر ، والوصيةُ بالتمسك بسنته -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ، خصوصاً عند نزول الفتن وحصول الاختلاف. والوصيةُ الرابعة: هي الوصيةُ بالتحذير من محدثات الأمور ، فما أحوجنا -أيها المسلمون- إلى هذه الوصايا ، وما أشدَّ ضرورتنا إلى تطبيقها والتواصي بها.

     أيها الناس: أما الوصيةُ الأولى فإنها أعلى الوصايا وأشرفها وأجمعها وأكملها ، كيف لا ؟؟  وهي وصيةُ ربنا -جل وعلا- للأولين والآخرين ، قال سبحانه: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}]سورة النساء:131 [، ولذا أيها الناس: حثنا ربنا -جل وعلا- على طلب تقواه ، وعلى التزود منها ، فقال: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}]سورة البقرة :197 [ .

    بالتحلي بتقوى الله -جل وعلا- ، أيها المسلمون: تتوالى الأرزاق على العباد ، ويعُمّ الأمن ،  وتَسهُل الصعاب ، وتنكَشِف الشدائد ، وتتيسر الأمور ، وترتفع الآلام والهموم ، قال الله -جل وعلا-:{ولو أنَّ أهلُ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض}]سورة الأعراف : 96 [، وقال -جل وعلا-: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب}]سورة الطلاق : 2/3 [، من حقق تقوى الله -جل وعلا- في قلبه -يا عباد الله- وظهرت على جوارحه  ، أَيّدَهُ الله وسَدَّده ، وأوصله إلى المنازل العالية والمراتب الشريفة ، وكان عند ربه من المكرمين، وفاز بأغلى أمنية وأعلاها ،  وهي دخول جنة رب العالمين، قال سبحانه:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}]سورة النحل :128 [،  وقال:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم}]سورة الحجرات: 13[ ، وقال -جل وعلا-: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيّاً}]سورة مريم : 63 [

    عباد الله : ما أيسرَ التقوى على من رغب فيها ، وأقْبَلَ بصدقٍ على تحقيقها ، قِيامٌ بِطاعة الله،  وتَحَرٍّ لأوامر الله ، جِدٌّ في عبادة الله ، هجرٌ لمحارم الله ، تعظيمٌ لشعائر الله تبارك وتعالى وحرماته ، قال سبحانه: {ذلك ومن يُعَظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}]سورة الحج :32 [، نعم ، إنَّ مِنْ تقوى الله -جل وعلا- رعايةَ أوقات الطاعات ، والمسارعةَ إلى القربات ، والحزنَ على فوات الطاعة أو التقصير فيها.

     وإن من تقوى الله -جل وعلا- تعظيمَ ما نهى الله عنه ، والابتعاد عنه وعن أسبابه ، قال بعض السلف: ” تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله- أي: على علم بما تتقرب به إلى ربك وبما تجتنبه – ترجو ثواب الله ،  وأن تترك معصية الله ، على نور من الله ، تخاف عقاب الله”.

    أيها المسلمون: وأما الوصيةُ الثانية: فهي الوصيةُ بالسمع والطاعة لولي الأمر المسلم ، وإن كان وضيع النسب ، لذا قال -صلى الله عليه وسلم- : “وإِنْ عَبْدٌ حبشي” ، فإن السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في المعروف ، فيها سعادة الدنيا والاخرة ،  كيف لا ؟؟ ، وبهم تجتمع الكلمة ، ويعم الأمن ، ويُدفَعُ الظلم ، وتُدرَأ الفتن ، وتنتظم معايش الناس ، وبهم يُستَعان على إظهار الدين، وطاعة رب العالمين، والوصية بهذا أيها الناس: دليلٌ على محاسن الإسلام التي خالف فيها -صلى الله عليه وسلم- ما عليه أهل الجاهلية ، وهو من تمام الاجتماع في الدين ولزوم جماعة المسلمين .

   لذا أيها المسلمون: كان من واجبنا نحو وصيةِ نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حُكامِنا وولاةِ أمرنا أن نرضى لأنفسنا ما رَضِيَهُ لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من السمع والطاعة لهم بالمعروف، والبيعة لهم ، وعدم القدح فيهم أو إشاعةِ مثالبهم أو إثارةِ العامة عليهم بالمسيراتِ أو المظاهراتِ ونحو ذلك ، بل الواجب الشرعي والمنهج الإسلامي هو الصبر عليهم ، والدعاءِ لهم ، وبذل النصح لهم سرّاً لا عَلَناً بلطفٍ ، وعبارةٍ تليق بالمقام وتناسب الحال لمن كان قادراً على ذلك ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ؛ فإنه ليس أحدٌ يُفارق الجماعةَ شبراً إلا ماتَ ميتةً الجاهلية”. وقال صلى الله عليه وسلم : “خير أئمتكم الذين تُحبونهم ويُحبونكم ،ويُصلون عليكم وتُصلون عليهم ،-أي تدعون لهم ويدعون لـكم- وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتَلعنونهم ويَلعنونكم ، قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسف ؟؟ – وهذا سؤالٌ صريح واستفتاءٌ واضحٌ له -صلى الله عليه وسلم- في حكمِ الخروج على الولاة الظَّلَمَة – فقال: -صلى الله عليه وسلم-: ” لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ،  ولا تَنزِعوا يداً من طاعة” .

    فهذا أيها المسلمون: أصلٌ عظيمٌ من أصولِ أهلِ السنة والجماعة ، الواجبُ على كل مسلمٍ أن يَتَعلمه ،  وأن يفهمه فهماً سليماً على وفق ما جاءت به الأحاديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- فإنَّ ما ورد في أحاديثه -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته وإرشاداته في هذا الباب هو الخير كله للأفراد والشعوب ، والواقعُ خيرُ شاهد ، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

    فيا أيها الناس : وأما وصية نبينا صلى الله عليه وسلم الثالثة في هذا الحديث الجامع فهي الوصية بالتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ، والمقصود بسنته في هذا الحديث هي المنهجُ والمسلكُ الذي ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة عليه ، وهذا هو المراد بالسنة عند سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، قال الإمام الأصفهاني : “قال علماء السلف: السنة العمل بالكتاب والسنة ، والاقتداء بصالح السلف ، واتباع الأثر”، وبناءً على هذا المفهوم يا عباد الله لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعني دُخولها في جميع المجالات ، في العقائد والعبادات ، في المعاملات والوظائف ، في الإعلام والأسرة ، في التعليم والعلاقات ، وكذلك في سائر الأحوال من فرح وسرور،  وسفر وإقامة ، وغضب ورضى ، وحُبٍّ وبغض ،  ونحو ذلك كلُ هذا مقيدٌ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه .

    فإن هذا أيها الناس : يَضمن لنا النجاة من الفتن والأهواء ،  ويحققُ لنا الهداية والرحمة والفوز بمحبة الله -جل وعلا- وعز الدنيا والآخرة ، لذا كان الواجبُ على كل مسلم أن يتفقه في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، وأن يقف عليها،  وأن يَدعُوَ إليها ، وأن ينشرها بأمثل أسلوب ، وأن يستسلم لها ، وأن يغار عليها ، وأن يدافع عنها ، وأن يَردَّ على كل من يطعن فيها أو يستهزئ بها ، قال ربنا -جل وعلا-: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}]سورة الحشر:7 [.

    ختامُ تلك الوصايا العظيمةِ أيها المسلمون التحذير من البدع في جميع أبواب الدين ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-  في هذا الحديث ” وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ” ومحدثات الأمور عباد الله: هي ما ابتدع في الدين مما لا دليل عليه من كتاب الله أو سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهي كل ما خالف الكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمة في العبادات والعقائد وغيرها.

      أيها الناس: الواجبُ علينا أن نحذرَ من البدع وأن نُحَذِّرَ منها امتثالاً لوصية نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك عباد الله لما في البدع من تغيير الشريعة ، وإخفاء معالم الدين الصحيحة ، ونِسبةِ النقْصِ إلى الاسلام ، واتهامه بعدم الكمال ، وهذا كله مضادٌّ لقول ربنا جل وعلا: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم}]سورة المائدة: 3 [ ، فدينُنا كاملٌ بتكميل ربنا -جل وعلا- له ، لا نقص فيه أبداً .

     لهذه الآثارِ السيئة المترتبة على الابتداع في الدين شَدَّدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر البدعة ، وبَيَّنَ خطرها على الأمة ، حيث حَذَّرَ منها تحذيراً مباشراً صريحاً كما في هذا الحديث ، بل وصفها نبينا صلى الله عليه وسلم بالضلالة ، وأخبر برد العملِ المبتَدَع وعدم قبوله ، فقال -صلى الله عليه وسلم-:  “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” أي: مردود على صاحبه، وبَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- أن القائمَ بالبدع والساعِيَ فيها متوعد بالنار -والعياذ بالله- إلى غير ذلك من طرق تحذيره -صلى الله عليه وسلم- وتشنيعه على البدع وأهلها .

    من هنا أيها الناس: كان لزاماً علينا أن نتمسك بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم ، وأن نحذر مما خالفها ، وأن نسير على ما قرره أصحابه -رضي الله عنهم- والأئمة من بعدهم ، قال الإمام أحمد بن حنبل –رحمة الله عليه وغفر له -: (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ، وترك البدع ) .

   فهذه عباد الله خلاصةٌ لمعنى ما جاء في هذه الوصية المباركة ، على المسلم أن يجتهد في تطبيقها ،  وأن يتحرى ما فيها ، وأن يَجِدَّ في نشرها وبَثها فيمن حوله ، اللهم وفقنا للعمل بدينك واتباع شرعك وتطبيق سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ، اللهم أعز الاسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم اغفر للمسلمين المسلمات ، المؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم علمنا كتابك ، وفقهنا في سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ،  وما أسررنا وما أعلَنَّا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت، اللهم برحمتك يا أكرم الأكرمين أدم الأمن والإيمان على بلادنا ، واحفظنا وسائر من يقيم على هذه البلاد من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

برمجة وتصميم مهند